السبت، 12 يناير 2013

قبل الوفاة وبعد الوفاء


كلمةٌ أُلقيتْ بمناسبةِ تأبينِ الأستاذِ الدكتور فاضل عبّاس الحَسَب في جمعيةِ المؤرّخينَ العراقيّينَ بتاريخِ 19/1/2002
تتلعثمُ الكلماتُ بزَفَراتِ الأسى، فتنطلقُ من اللّسانِ يدفعُها الرِّضا..
ويَسْتَشْرِفُ العقلُ مواردَ الذّكرى، فيُلْجِمُهُ الحزنُ عن الاسترسالِ في النّجوى!
حسبنا الله ونعمَ الوكيل، فقد قَضَى ولا رادَّ لقضائِهِ، وقدّرَ والحمدُ للهِ على أقدارِهِ، أن تكونَ حياتُنا هذهِ دنيا، وأنْ يكونَ الخلودُ والبقاءُ في الأخرى..
وهذا هو عزاءُ المؤمنينَ، وهو ذاتُهُ هاجِسُ الصّبرِ الجميل!
إنَّ السادةَ الحاضرينَ لا يحتاجونَ إلى مَنْ يُعرِّفُهُم بالفقيدِ الرّاحلِ الكريمِ الأستاذِ الجليلِ الدكتور فاضِل عبّاس الحَسَب رحمهُ اللهُ تعالى..
وإنما ينتظرونَ كلمةَ ذكرى، وطاقةَ نجوى، وعزاءَ مودّةٍ، ووفاءً ونُعمى!
وكانتْ هذهِ الأبياتُ العَجْلى الخَجْلى تَعْبُرُ هذهِ الآمالَ كلَّها إلى روحِهِ المرفرفةِ الطّاهرةِ..!


نُعْمَى لِرُوحِكَ أَنْتَ الفَاضِلُ الحَسَبُ



العَالِمُ، العَلَمُ، التَّاريخُ، وَالأَدَبُ


خِلْتُ الفِرَاقَ صَدَىً في ضامِري أَرِقَاً



وَما حَسِبْتُ فِراقاً بَعْدَهُ حُجُبُ


إِنْ يُزْهِرِ العِلْمُ في أَفْيائنا غَرِداً



فَأَنْتَ -والله- في أَفْنانِهِ الحَسَبُ


ما صَنْعَتي المَدْحُ في هذي الحَياةِ إِباً[1]



وَلا الرِثاءُ، وَلا ما يَبْتَغي الصَخَبُ


العِلْمُ بَيْنَ ذَوي الأَعْراقِ مُنْتَسَبٌ[2]



وَمَنْ يَنْتَسِبْ فيهِ تَخْبو دُونَهُ الرُّتَبُ


*
*
*
يا خِلُّ لَو يُفْتَدى الحُرُّ الكَريمُ بِما



يَسْخو بِهِ النَّاسُ، روحي دونَكُمْ سَبَبُ


لكِنَّهُ المَوتُ لا يُبْقي عَلى أَحَدٍ



إِلاّ طَواهُ، فَتَزْهو بَعْدَهُ الكُتُبُ


هَبْني نَدَبْتُكَ، ماذا تَنْفَعُ النُّدَبُ؟



هَبْني بَكَيْتُكَ هَلْ تُطْوى لي الحُجُبُ؟


إِنّي بَكَيْتُكَ، أَبْكي فيكَ مَلْحَمَةً



تَهْفو عَلى العِلْمِ والتّاريخِ.. تَقْتَرِبُ


إنّي بَكَيْتُكَ قَبْلَ المَوتِ مُحْتَسِباً



وَفي حَياتِكَ لا يُنْمى[3] لَكَ العَتَبُ


فَأَنْتَ في العِلْمِ نِبْراسٌ وَمَوْعِدَةٌ



وَوَجْهُكَ المُشْرِقُ الفَيَّاضُ مُحْتَسِبُ


مِنْ أُمَّةٍ تَرْتَجي مِنْها السَّماءُ هُدَىً



وَقادَةٍ دائماً بَيْنَ الوَرى شُهُبُ


يا مَوْئلَ النُّورِ بَيْنَ الرَّافِدَيْنِ ثَوى



بَلْ عادَ مؤتَلِقاً مِنْ غَيْثِهِ السُّحُبُ


فَأَنْتَ كُنْتَ عَلَيْها ماجِداً عَلَماً



وَأَنْتَ وَحْدَكَ فينا فاضِلٌ حَسِبُ


بِحَقِّ نورِ الهُدى القُرْآنِ مُؤتَلِقاً



وَحُبِّ آلِ رَسولِ اللهِ أَصْطَحِبُ


هُمْ وَالكِتابُ عَلى دَرْبِ الهُدى سَطَعا[4]



لا يَغْرِبانِ، وَلا يَعْروهُما نَصَبُ


يا سَيّدي أَسْأَلُ الرَّحْمنَ مَرْحَمَةً



وَرِفْعَةً في جِنانِ الخُلْدِ تَرْتَقِبُ


أَمْلَيْتُها مُسْرِعاً، خَجْلى تُنازِعُني



فَقُلْتُ: مَهْ وَيْكِ إنّي الآنَ أَقْتَرِبُ


نُبْلٌ، وَعِلْمٌ، وَطُهْرٌ، فاقَ مَخْبَرُهُ



زُهْدَ الوَلِيّينَ، واسْتَعْلى بِهِ الأَدَبُ


طِبْ في رِضا اللهِ، ذاكَ المُلْتَجى سَنَدٌ



وَذاكَ قَصْدُكَ أَنْتَ الفاضِلُ الحَسَبُ[5]




[1]  إباً: إباءً
[2]  منتسب: ما ينتسب إليه
[3]  ينمى: يصل
[4]  إشارة إلى الحديث (إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي..) الحديث
[5]  المفكر الاقتصادي العراقي فاضل عباس الحسب ولد في مدينة العمارة العراقية عام 1934 وشغل العديد من المناصب التدريسية في الكليات والجامعات العراقية والعربية وله العديد من المؤلفات والبحوث الاقتصادية وخصوصاً في الفكر الاقتصادي الإسلامي، توفي رحمه الله تعالى في رمضان من عام 2001 ورثاه الشيخ عداب الحمش بهذه القصيدة في حفل أقيم في جمعية المؤرخين العراقيين يوم السبت الموافق 19/1/2002

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق