الاثنين، 14 يناير 2013

تذكرة إلى قومي

            في ذكرى المولد النبوي الشريف


حَيارى، أم بني قومي حُبارى

ونهبٌ واللصوصُ بكم تبارى
ورفضٌ يستخفُّ بكلِّ آتٍ

وشكٌّ في المقاصدِ لا يُجارى
يخاصم بعضُهم بعضاً بليلٍ

وينهبُ بعضهم بعضاً نهارا
ويقتتلون دونَ سبيلِ غيٍّ

ويوقدُ بعضهم لأخيهِ نارا
على دنيا قصاراها متاعٌ

بمالٍ أو بسلطانٍ توارى
صُعِقتُ لحالكم ودمي نزيفٌ

وحِرتُ بأنكم دوماً سُكارى
أفيقوا يا بني قومي أفيقوا

بنو صهيونَ قد خربوا الدّيارا
وباتوا يضربونَ أخاً بأختٍ

ويُسرعُ بعضنا فيهم جِهارا
بني قومي وكلُّ العتبِ وهمٌ

إذا لم تقرأوا الذِّكرَ اعتبارا
ألا يا قومِ هل هادٍ رشيدٍ

يحرّركم، رأيتُكم أُسارى
أُسارى الوهمِ، والتّاريخُ بُرْدٌ

تبطّنَ دينُكم فيهِ اعتذارا
مواقفُكم جميعاً تالداتٍ

مسمّرةً بكانَ، يكونُ، صارا
كأنَّ الدينَ والتاريخَ صَدرٌ

رَضعتُم من مثاعِبهِ الأُوارا
يقولُ اللهُ: كونوا لي عباداً

تقولونَ: الجدودُ بَنوا مَزارا
يقولُ نبيّكم: عُتبى ورُحمى

تنادونَ المواقفَ والذِمارا
فلانٌ نالَ قهراً من فلانٍ

وهذا غاصبٌ أبغيهِ ثارا
كأنَّ الدينَ أصبحَ شتمُ هذا

وشتماً ضدَّ هذا لا يجارى
كأنَّ الدينَ أضحى عندَ قومٍ

مقالاً تافهاً، وَلَغاً عِثارا
كأنَّ الدينَ دفعٌ عن طغاةٍ

بَلوا تاريخَنا الدامي شِرارا
كأنَّ الدينَ أصبحَ فهمُ جِلْفٍ

ورغبةُ أغبياءٍ في شعارى
بني قومي هَبُوهُم لم يكونوا

وكانَ الدينُ أبلجَ لا يُمارى
أنحنُ مكلّفونَ بحملِ وزرٍ

يزيدُ شَتاتَنا العاتي انتشارا
كتابُ اللهِ نورٌ مستديمٌ

وسنةُ أحمدٍ بقيتْ منارا
دَعُوا التاريخَ إلا من فَخارٍ

وشِيدوا ما أشادوهُ اقتدارا
أفيدوني أجاءتْكم نصوصٌ

تحمِّلكم جناياتٍ كِبارا
أرى الحزبيةَ الرَّعناءَ أمستْ

سفينةَ من يريدُ له انتصارا
ودينُ اللهِ يأبى كلُّ حزبٍ

يشتّتُ أمةَ الحقِّ احتقارا
توحُّدُكُم على الهادي نجاةٌ

وتبقى ريحُكم عَبَقاً وغارا
فما ثبتَتْ أرومتُهُ حديثاً

أخذناهُ، وإلا باتَ نارا
على نقدِ الصّيارفةِ الغَيارى

بنهجٍ واضحٍ يهدي الحيارى
فما كلُّ الحديثِ له ثبوتٌ

ومن يجهلْ يُقمّشْهُ اجترارا
وشرُّ بليةٍ في علمِ قومي

نصوصٌ شانَتِ الكتبَ الكِبارا
وكلٌّ يدّعي عِلماً ونقداً

وكلٌّ يُشبِعُ الخصمَ انتِهارا
دعونا من نوازلَ قد تقضَّتْ

ورُصُّوا صفَّكم ودَعُوا الشّجارا
دعونا من مآسٍ سالفاتٍ

أَمَا يكفيكُم الدّهرُ اعتبارا
لِيشهدْ ربُّنا أنّا أطعْنا

وصَحَّحْنا الشعائرَ والشِّعارا
على فَهمِ القُداةِ وأهلِ علمٍ

من الفرقاءِ لا نرضى اعتصارا
وعلمُ الآلِ أكرمُ كلِّ علمٍ

إذا سُلِكَ الطريقُ له نهارا
عليٌّ، باقرٌ، حَسَنٌ وزيدٌ

وجَعفرُ، كاظِمٌ ملأوا القِطارا
ومالكُ وابن إدريسَ المفدّى

ونعمانٌ، وأحمدُ ما تمارى
ومِنْ أقرانِهم شمٌّ كرامٌ

وأتباعٌ، وكلُّهم غَيَارى
أليسَ من الغَباوةِ أن نُنادي

بنَسْفِ علومِهم نبغي اختصارا
علومُ جميعِهِم إرثٌ عظيمٌ

وعصمةُ أيِّهم هَذَرٌ عُسارى
وهذا يومُ أحمدَ تَشْهَدوهُ

تألقَ في الزمانِ هُدىً وزارا
أعيدوهُ على الإسلامِ نُعمى

وخافوا اللهَ وادَّكروا ادِّكارا
فما ذِكرى الحبيبِ سُرادِقاتٍ

وليسَ مظاهراً غطََّتْ شَنَارا
وما ذكرى الحبيبِ سَماعُ دُفٍّ

ولا ضَربُ الحِرابِ، وليسَ نارا
وما ذِكراهُ أشربةٌ وأكلٌ

وبَذخٌ يُرهِقُ البَلَدَ افتِقارا
فذِكراهُ انبعاثُ أخي حَياءٍ

يُعاهِدُ أن يكونَ بهِ مَنارا
ويَرتادُ المساجِدَ كلَّ وقتٍ

ويُخلِصُ دينَهُ ويُزيلُ عارا
وعارُ الجهلِ أقبحُ كلِّ عارٍ

ونورُ العلمِ يَقلِبُهُ افتخارا
فيَسعَدُ علمُهُ ويموتُ جهلٌ

ويُرضي اللهَ ينتصرُ انتصارا
هي الذّكرى فما بَرِحَتْ رُباها

تفوحُ شَذَىً وتَحتَضِنُ العِرارا
لكَ العِرفانُ أكرمْ من رسولٍ

وأكرمْ من أبٍ يحمي الذِّمارا
شفاعتُهُ لأهلِ الحشرِ طرّاً

أيتركُ آلهُ القُربى سُكارى
رسولَ اللهِ يا نوراً تسامى

ويا نُعمى الرّحيمِ إلى الحيارى
إلى أنوارِكَ العُليا ملاذي

فخُذني تحتَ ظِلِّ العَرْشِ جارا






السبت، 12 يناير 2013

الشهيد الصغير


مَهْ يا حُسَيْنُ رَحَلْتَ قَبْلَ إِيابي


وَقَهَرْتَني في جِيئَتي وَذَهابي

وَتَرَكْتَني وَلْهانَ دُونَ تَعَقُّلٍ


حَظِّي مِنَ التَّفْكيرِ قَيْضُ سَرابِ

ماذا دَهاكَ بُنَيَّ يَوْمَ تَرَكْتَني


نَهْبَ الهَواجِسِ، ضائقاً بِثِيابي

رُوحاهُ ما هذا التَّسَرُّعُ وَالجَفا


هَلْ ذا جَزاءُ الحِبِّ لِلأَحْبابِ

وَإذا ظَنَنْتَ أَباكَ طَوْداً شامِخاً


ماذا عَنِ الإِخْوانِ والأَتْرابِ

ماذا عَنِ الأُمِّ الرَّؤومِ فُؤادُها


قَدْ غادَرَ الإحْناءَ قَبْلَ عِتابِ

ما باتَ فيها للرَّجاحَةِ مَوْضِعٌ


لَوْلا تَأسِّيها بِفَرْطِ مُصابِ

آهاتُها في اللّيلِ تُوقِظُ نائماً


وَدُموعُها حَفِلَتْ بِكُلِّ جَوابِ

لا يا حُسَيْنُ فَقَد حَيِيتَ مُؤمَّلاً


وَدَفَنْتَ آمالي بِقَعْرِ تُرابِ

يا تارِكي بَعْدَ المَطامِحِ وَالمُنى


مِزَعَ النِّصالِ عَلى كَثِيبِ عَدابِ[1]

يا مانِحي بُؤسَ الحَياةِ وَشؤمَها


يا واهِبي غُصَصَ النَّوى المُرْتابِ

أَنْفَذْتَ رُمْحَكَ يا صَغيريَ في الحَشا


وَنَصَبْتَهُ في القَلْبِ فَوْقَ صُبابِ[2]

أَنا يا حُسَيْنُ قَتيلُ إصْبَعِكَ التي


لَعِبَتْ بِكُلِّ عُقُولِنا بِسُبابِ

وَصُرِعْتَ، لا بَلْ قَدْ صَرَعْتَ لِوالِدٍ 


صَعْبِ النِّزالِ، فَعاد ظِلَّ عَدابِ[3]

أَنا يا حُسَيْنُ صَريعُ نورِكَ قَدْ ثَوى


في الرَّمْسِ لا يَرْنو إِلى الطُّلاّبِ

يا أيُّها القَمَرُ الذي وَسَدْتُهُ


جَوْفَ الثَّرى يَبْكيكَ كُلُّ صِحابِ

يا أَيُّها القَمَرُ الذي صَنَفْتُهُ


بِحَدائِقِ الزَّهْراءِ مِثْلَ كِتابِ

يا أَيُّها القَمَرُ الذي أَوْدَعْتُهُ


قُرْبَ الجُنَيْدِ ذَخِيرَةً لإيابي[4]

هَلاّ يَعُودُ إليَّ طَيْفُكَ في الرُّؤى


فَيُعيدُ في الأَحْلامِ رَجْعَ جَوابي

هلاّ تَرَفْرِفُ في دياري بُلْبُلاً


تَشْدو لَنا في لَثْغَةِ الإِطْرابِ[5]

أَوَلَسْتَ تَعْرِفُ يا حُسَيْنُ دِيارَنا


وَتَرى نَواظِرَنا بِلا أَهْدابِ

أَيَهُونُ يا وَلَدي عَلَيْكَ مُصابُنا


وَقُلُوبُنا في غُصَّةٍ وَعَذابِ

ماذا نَقُولُ لِمَنْ يُسائِلُ عَنْكُمُ


مِنْ صَحْبِنا الأَحْبابِ وَالغُيّابِ

أَنَقُولُ قَدْ نَحَرَ الحُسَيْنُ حِصانَهُ


فَكبا بِهِ في ثَغْرَةٍ وَعِتابِ

أَنَقُولُ قَدْ كَرِهَ الحُسَيْنُ حَياتَنا


بِشَتاتِها، وَبِذُلِّها العَيَّابِ

أَنَقُولُ قَدْ سَئِمَ الحُسَيْنُ صَلاحَنا


مِمَّا بِنا مِنْ غَفْلَةٍ وَكِذابِ

أَنَقُولُ لِلْسُؤْلِ الكَرامِ رُوَيْدَكُمْ


هذا الحُسَيْنُ يَعُودُ بَعْدَ غِيابِ

هَيْهاتَ يا وَلَدي فَقَدْ شَطَّ النَّوى


لا لَيْسَ قَبْلَ البَعْثِ رَجْعُ مَآبِ

لا يا حَبيبي لَنْ تَعودَ فَدارُنا


دارُ الغَرُورِ الطّائِشِ الهَيّابِ

لا يا حَبيبي لَنْ تَعودَ فَعَيْشُكُمْ


بَيْنَ الرَّسُولِ وَصَفْوَةِ الأَصْحابِ

في حُضْنِ فاطِمَةَ البَتولِ مُدَلَّلاً


تَلْهو وَتَخْطُرُ دُونَما حُجّابِ[6]

وَلَقَدْ رَأَيْتُكَ يا حَبيبي لَيْلَةً


في رَوْضَةٍ تَلْهو مَعَ الأَطْيابِ[7]

وَعَلَيْكَ مِنْ حُلَلِ الكَرامَةِ وَالرِّضا


بِيضُ الثِّيابِ بِياقَةِ العُنّابِ

قُلْتُ: الدُّمُقْس أَوِ الدُّمُسْتُقُ ثَوْبُهُ


إِسْتَبْرَقٌ يَزْهو عَلى جُلْبابِ

تَلْهو وَحِيداً يا حُسَيْنُ بِرَوْضَةٍ


وَكَما حَيِيتَ مُبايِنَ الأَتْرابِ

إِنْ كُنْتَ يا قَمَري فَريدَ صِغارِنا


بِذَكائِهِ، وَجَمالِهِ، وَطِلابِ

أِوْ كُانَ هذا في ضميري وَحْدَهُ


فَهُوَ الذي يُحْيي صُنوفَ عَذابِ

مَنْ كانَ يَحْسَبُ سَلْوَةً تَجْتاحُنا


بَعْدَ الحُسَيْنِ، فَخائِبُ الحُسّابِ

ما زالَ مَقْتَلُ جَدِّهِ في الطَّفِّ كَمْ


يُذْكي الأَسى وَالحُزْنَ لِلأَهْدابِ[8]

وَيَظَلُّ مَقْتَلُكَ الصَّغيرُ بِضامِري


يَتَزاحَمانِ عَلى أَسىً وَسِلابِ

جَدِّي الحُسَيْنُ مَنارُ كُلِّ مُجاهِدٍ


وَصَغيريَ المَقْتولُ سَيْفُ تَبابي

حَرَقَ المَراكِبَ كُلَّها في غَفْلَةٍ


وَمَرافِئي قَفِرَتْ مِنَ الأُيّابِ

وَمُصِيبةٌ جَلَلٌ، وَكَمْ في عِتْرَتي


مِنْ مَصْرَعٍ جَلَلٍ وَقَتْلِ شَبابِ[9]





[1]  كثيب عداب: الرمل الناعم الرقيق
[2]  صباب: الدم
[3]  عداب: فارس (ويلاحظ استخدام الشيخ لجميع معاني اسمه في هذه القصيدة)
[4]  دفن رحمه الله في مقبرة الجنيد البغدادي وسط مدينة بغداد، وهذه المقبرة روضة غناء ما زارها امرؤ إلا عاد مرتاح البال صافي السريرة، ففيها فضلاً عن الجنيد جمع من متصوفة بغداد القدماء منهم السري السقطي ومعروف الكرخي وغيرهم كثير.
[5]  كان في لسانه لثغة الطفولة بحرف السين وطالما كان الشيخ يذكرها له مداعبة وحناناً
[6]  كان الشيخ إذ يودع ولده يقول (اذهب يا حبيبي بأمان لحضن جدتك البتول فاطمة)
[7]  هذه الأبيات وما يليها حكاية رؤيا رآها الشيخ بعد وفاة ولده، إذ رأى ولده يلهو وحيداً على قنطرة في جنة جميلة ويلبس كنزة أنيقة فيجد نفسه يقول إن الدمقس أو الدمستق ثوبه فلما قص الرؤيا لم يكن يعلم معنى هاتين الكلمتين
[8]  هكذا الشيخ في كل شعره لا يفتأ يعود لتاريخه وعلمه وحكمته، بل هو في أصعب اللحظات في حياته هو ذاك المربي الذي يستفيد من كل لحظة ليعطي ما اكتسب من علم وحكمة لمن حوله، ففي تلك اللحظات التي كان يودع فيها فلذة كبده كان يشير لطلابه ويعلمهم كيف يدفنون الميت وكيف يصنعون ويوجههم إلى السنة في كل حركة وسكنة، فيذرف دمعة تارة ويعطي النصيحة تارة أخرى، وها هو ذا يعود لقصة جده الحسين ابن علي ويصور ما يجول في النفس من ألم وحزن يوازي إن لن يفق حزنه على ولده
[9]  يذكر الشيخ أنه فارق من أهل بيته وعشيرته ما يقرب من أربعين، فقد معظمهم في أحداث حماة، هذا فضلاً عن الأحباب والأصحاب وهم كثر